الأسبوع الماضي لاحظنا التوبيخ اللاذع للمحكمة من قبل شيكاغو تريبيون، ولكن حتى هذا الهجوم الوحشي يتضاءل بالمقارنة إلى النقد المدمر من قبل السفيرة الأمريكية السابقة والعضوة الرئيسية حالياً بمجلس العلاقات الخارجية جينداي فريزر في نهاية هذا الاسبوع في صحيفة وول ستريت جورنال.
“للأسف، فإن الأمل في وقت مبكرفي أن “الولاية القضائية العالمية” ستنهي حالة الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية قد فقد مكاتنه و حلت محله السخرية، سواء في أفريقيا أو الغرب”. و ذهبت إلى القول بأنه: “في أفريقيا يعتقد أنه في غمرة الإندفاع الاندفاع لإثبات قوتها، فإن هذه المحاكم والمدافعين عنها كانوا على استعداد أكثر من اللازم لإزاحة الاعتبارات العملية الواجبة في التقاضي و التي يدافعون عنها في أوطانهم..”
آه، نعم، إقتدوا بقولنا لا بفعلنا…
و أكثر:
“و في الغرب، فإن السخرية ربما تكون حتى أكثر ضررا لأنها تشكك في القدرات الأخلاقية للأفارقة وقادتهم، و تقود لإحياء لغة الأبوية وهمجية الأجيال السابقة “.
وبعبارة أخرى، فإن “موروثات الإستعمار التي لا تموت”.
و تمضي فريزر لرسم صورة مصغرة ممتازة تبين كيفية كيف أن المحكمة الجنائية الدولية – وكذلك مفهوم “الولاية القضائية العالمية” – قدأنتهى بهما الأمر خارج مسارهما:
لم يكن من المفترض أن يكون الأمر بهذه الطريقة. بعد الفشل في منع الفظائع الجماعية في أوروبا وأفريقيا في عقد التسعينات، برز إجماع قوي على أن مكافحة الإفلات من العقاب قد أصبح أولوية دولية. عقدت الأمم المتحدة المحاكم المتخصصة للحكم على مدبري الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في يوغوسلافيا ورواندا وسيراليون. وكانت هذه المحاكم بطيئةً للغاية ومكلفة. ولكن ولاياتها كانت واضحة و محدودة، و قد ساعدت الدول لفتح صفحة جديدة والتركيز على إعادة البناء.
الفرق بين “ولاية واضحة ومحدودة” و الولاية الريعية التي لا نهاية لها للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن للمرء أن يتذكر هنا، أه السبب الذي لأجله رفض النائب رون بول لاهاي بإعتبارها استمرارا لنورمبرغ.
و سرعان ما اعتبرت الولاية القضائية العالمية على أنها ليست فقط وسيلة للعدالة، ولكن أيضا أداة لمنع الفظائع في المقام الأول. و قد قامت عدة بلدان في أوروبا الغربية بما في ذلك إسبانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا وفرنسا بتخويل محاكمها الوطنية بسلطة الولاية القضائية العالمية. ثم في عام 2002 دخلت المحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ.
كانت أفريقيا وأوروبا من الأتباع المبكرين للمحكمة و يشكلون اليوم الأكبر من عضوية المحكمة الجنائية الدولية. لكن الهند والصين وروسيا ومعظم دول الشرق الأوسط – و الذين يمثلون أكثر من نصف سكان العالم – بقوا بعيدا. و هذا ما فعلته الولايات المتحدة كذلك. القادة في كلا الحزبين شعروا بالقلق من ان محكمة فوق وطنية غير قابلة للمساءلة ستصبح مكانا للمحاكمات الصورية و المسيسة. و السجل الحافل للمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الأوروبية التي تعمل تحت الولاية القضائية العالمية عزز هذه المخاوف بما فيه الكفاية.
وتجدر الإشارة، لانه ما يزال مصدر قلق.
ولكن بما أن الدول القوية قادرة على حماية أنفسها و من تنوب عنهم، فقد تحملت أفريقيا وطأة الاتهام. و بعيدا عن السعي من أجل تحقيق العدالة للضحايا، فقد أضحت هذه المحاكم مكانا لتدريبات العلاقات العامة من قبل الجماعات الناشطة. و أما داخل البلدان الأفريقية، فيتم التلاعب بها من قبل أحدى الفصائل السياسية من أجل تهميش آخر، و هو أمر غالبا ما يظهر في السياسة الانتخابية.
تلك هي الحقيقة.
و تمضي فريز لمناقشة الكارثة الكينية الجارية بالمحكمة الجنائية الدولية – وهي “الفاكهة المتدلية”، بحسب وصف المدعي العام السابق لويس مورينو اوكامبو – فضلا عن “اعتقال رئيس الاستخبارات الرواندي الجنرال ايمانويل كارينزي كاراكي في لندن الشهر الماضي “:
يعود تاريخ أمر لائحة الاتهام الاسبانية لأعمال القتل الانتقامية المزعومة بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 2008. في وقت لائحة الاتهام، كان السيد كارينزي كاراكي نائب قائد عمليات حفظ السلام الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المشتركة في دارفور. وكانت القوات الرواندية تحت قيادته العمود الفقري للقوة يوناميد، وكان أدائه في دارفور بكل المقاييس مثالياً.
وعلاوة على ذلك، و حسب مراجعة للوكالات الحكومية الأميركية أجرت في 2007-08، عندما قدت مكتب وزارة الخارجية للشؤون الأفريقية، وجدت أن الادعاءات الإسبانية ضد السيد كارينزي كاراكي كانت كاذبة وغير مؤكدة. الولايات المتحدة دعمت بشكل كامل إعادة تعيينه في عام 2008 نائبا لقائد قوات يوناميد. و و كانت ستكون صورة من صور العدالة الزائفة إن قامت بريطانيا بتسليم السيد كاراكي إلى إسبانيا لمحاكمته.
أنه قد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المحكمة الجنائية الدولية ليست قوة من أجل الاستقرار أو الردع العالمي، وإنما قوة لا مراءلإبرازسلطتها الخاصة وهيبتها.